الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
إذا أخذ الساعي أكثر من الفرض بغير تأويل, مثل أن يأخذ شاتين مكان شاة أو يأخذ جذعة مكان حقة لم يكن للمأخوذ منه الرجوع إلا بقدر الواجب وإن كان بتأويل سائغ, مثل أن يأخذ الصحيحة عن المراض والكبيرة عن الصغار فإنه يرجع بالحصة منها لأن ذلك إلى اجتهاد الإمام, فإذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب عليه دفعه إليه وصار بمنزلة الفرض الواجب وكذلك إذا أخذ القيمة, رجع بما يخص شريكه منها لأنه بتأويل. إذا ملك رجل أربعين شاة في المحرم وأربعين في صفر وأربعين في ربيع, فعليه في الأول عند تمام حوله شاة فإذا تم حول الثاني فعلى وجهين أحدهما, لا زكاة فيه لأن الجميع ملك واحد فلم يزد فرضه على شاة واحدة كما لو اتفقت أحواله والثاني, فيه الزكاة لأن الأول استقل بشاة فيجب الزكاة في الثاني وهي نصف شاة لاختلاطها بالأربعين الأولى من حين ملكها وإذا تم حول الثالث فعلى وجهين أحدهما لا زكاة فيه والثاني, فيه الزكاة وهو ثلث شاة لأنه ملكه مختلطا بالثمانين المتقدمة وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثالثا وهو أنه يجب في الثاني شاة كاملة, وفي الثالث شاة كاملة لأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه فوجبت فيه شاة كاملة كما لو انفرد وهذا ضعيف لأنه لو كان المالك للثاني والثالث أجنبيين, ملكاهما مختلطين لم يكن عليهما إلا زكاة خلطة فإذا كان لمالك الأول كان أولى, فإن ضم بعض ماله إلى بعض أولى من ضم ملك الخليط إلى خليطه وإن ملك في الشهر الثاني ما يغير الفرض مثل أن ملك مائة شاة فعليه فيه عند تمام حوله شاة ثانية, على الوجه الأول وكذلك الثالث لأننا نجعل ملكه في الإيجاب كملكه للكل في حال واحدة فيصير كأنه ملك مائتين وأربعين, فيجب عليه ثلاث شياه عند تمام حول كل مال شاة وعلى الوجه الثاني يجب عليه في الشهر الثاني حصته من فرض المالين معا, وهو شاة وثلاثة أسباع شاة لأنه لو ملك المالين دفعة واحدة كان عليه فيهما شاتان حصة المائة منها خمسة أسباعهما, وهو شاة وثلاثة أسباع شاة وعليه في الثالث شاة وربع لأنه لو ملك الجميع دفعة واحدة وهو مائتان وأربعون شاة, لكان عليه ثلاث شياه حصة الثالث منهن ربعهن وسدسهن وهو شاة وربع ولو كان المالك للأموال الثلاثة ثلاثة أشخاص, وملك الثاني سائمته مختلطة بسائمة الأول ثم ملك الثالث سائمته مختلطة بغنمهما لكان الواجب على الثاني والثالث كالواجب على المالك في الوجه الثاني, لا غير. فإن ملك عشرين من الإبل في المحرم وخمسًا في صفر فعليه في العشرين عند تمام حولها, أربع شياه وفي الخمس عند تمام حولها خمس بنت مخاض على الوجهين الأولين وعلى الوجه الثالث عليه شاة وإن ملك في المحرم خمسا وعشرين, وفي صفر خمسا فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ولا شيء عليه في الخمس في الوجه الأول وعلى الثاني: عليه سدس بنت مخاض وعلى الثالث عليه فيها شاة فإن ملك مع ذلك في ربيع شيئا, ففي الوجه الأول عليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ولا شيء عليه في الخمس حتى يتم حول الست, فيجب فيهما ربع بنت لبون ونصف تسعها وفي الوجه الثاني عليه في الخمس سدس بنت مخاض إذا تم حولها وفي الست سدس بنت لبون عند تمام حولها وفي الوجه الثالث, عليه في الخمس الثانية شاة عند تمام حولها وفي الست شاة عند تمام حولها. فإن كانت سائمة الرجل في بلدان شتى وبينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة, أو كانت مجتمعة ضم بعضها إلى بعض وكانت زكاتها كزكاة المختلطة, بغير خلاف نعلمه وإن كان بين البلدان مسافة القصر فعن أحمد فيه روايتان إحداهما أن لكل مال حكم نفسه, يعتبر على حدته إن كان نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا, ولا يضم إلى المال الذي في البلد الآخر نص عليه قال ابن المنذر لا أعلم هذا القول عن غير أحمد واحتج بظاهر قوله عليه السلام: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) وهذا مفرق فلا يجمع, ولأنه لما أثر اجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثر افتراق مال الرجل الواحد, حتى يجعله كالمالين والرواية الثانية قال في من له مائة شاة في بلدان متفرقة: لا يأخذ المصدق منها شيئا لأنه لا يجمع بين متفرق وصاحبها إذا ضبط ذلك وعرفه أخرج هو بنفسه, يضعها في الفقراء روى هذا عن الميموني وحنبل وهذا يدل على أن زكاتها تجب مع اختلاف البلدان إلا أن الساعي لا يأخذها لكونه لا يجد نصابا كاملا مجتمعا ولا يعلم حقيقة الحال فيها, فأما المالك العالم بملكه نصابا كاملا فعليه أداء الزكاة وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب سائر الفقهاء قال مالك أحسن ما سمعت في من كان له غنم على راعيين متفرقين ببلدان شتى أن ذلك يجمع على صاحبه, فيؤدي صدقته وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى- لقوله عليه السلام: " في أربعين شاة شاة " ولأنه ملك واحد أشبه ما لو كان في بلدان متقاربة أو غير السائمة ونحمل كلام أحمد, في الرواية الأولى على أن المصدق لا يأخذها وأما رب المال فيخرج فعلى هذا يخرج الفرض في أحد البلدين شاء, لأنه موضع حاجة. ولا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الماشية في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة في الخيل الزكاة إذا كانت ذكورا وإناثا, وإن كانت ذكورا مفردة أو إناثا مفردة ففيها روايتان, وزكاتها دينار عن كل فرس أو ربع عشر قيمتها والخيرة في ذلك إلى صاحبها, أيهما شاء أخرج لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (في الخيل السائمة في كل فرس دينار) وروى عن عمر أنه كان يأخذ من الرأس عشرة, ومن الفرس عشرة ومن البرذون خمسة ولأنه حيوان يطلب نماؤه من جهة السوم أشبه النعم ولنا, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- (قال: ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة) متفق عليه وفي لفظ: (ليس على الرجل في فرسه ولا في عبده صدقة) وعن على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق) رواه الترمذي وهذا هو الصحيح وروى أبو عبيد في " الغريب ", عن النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقة) وفسر الجبهة بالخيل, والنخة بالرقيق والكسعة بالحمير وقال الكسائي: النخة: بضم النون: البقر العوامل ولأن ما لا زكاة في ذكوره المفردة وإناثه المفردة, لا زكاة فيهما إذا اجتمعا كالحمير ولأن ما لا يخرج زكاته من جنسه من السائمة لا تجب فيه كسائر الدواب, ولأن الخيل دواب فلا تجب الزكاة فيها كسائر الدواب, ولأنها ليست من بهيمة الأنعام فلم تجب زكاتها كالوحوش وحديثهم يرويه غورك السعدي, وهو ضعيف وأما عمر فإنما أخذ منهم شيئا تبرعوا به وسألوه أخذه وعوضهم عنه برزق عبيدهم, فروى الإمام أحمد بإسناده عن حارثة قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا: إنا قد أصبنا مالا وخيلا ورقيقا, نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله فاستشار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفيهم على فقال: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك قال أحمد: فكان عمر يأخذ منهم ثم يرزق عبيدهم, فصار حديث عمر حجة عليهم من وجوه أحدها قوله: ما فعله صاحباي يعني النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر ولو كان واجبا لما تركا فعله الثاني, أن عمر امتنع من أخذها ولا يجوز له أن يمتنع من الواجب الثالث قول على: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك فسمى جزية إن أخذوا بها, وجعل حسنه مشروطا بعدم أخذهم به فيدل على أن أخذهم بذلك غير جائز الرابع استشارة عمر أصحابه في أخذه, ولو كان واجبا لما احتاج إلى الاستشارة الخامس أنه لم يشر عليه بأخذه أحد سوى على بهذا الشرط الذي ذكره ولو كان واجبا لأشاروا به السادس, أن عمر عوضهم عنه رزق عبيدهم والزكاة لا يؤخذ عنها عوض ولا يصح قياسها على النعم لأنها يكمل نماؤها وينتفع بدرها ولحمها, ويضحي بجنسها وتكون هديا وفدية عن محظورات الإحرام, وتجب الزكاة من عينها ويعتبر كمال نصابها ولا يعتبر قيمتها, والخيل بخلاف ذلك. قال: ( والصدقة لا تجب إلا على أحرار المسلمين ) وفي بعض النسخ: " إلا على الأحرار المسلمين " ومعناهما واحد وهو أن الزكاة لا تجب إلا على حر مسلم تام الملك وهو قول أكثر أهل العلم, ولا نعلم فيه خلافا إلا عن عطاء وأبي ثور فإنهما قالا: على العبد زكاة ماله ولنا أن العبد ليس بتام الملك فلم تلزمه زكاة, كالمكاتب فأما الكافر فلا خلاف في أنه لا زكاة عليه ومتى صار أحد هؤلاء من أهل الزكاة وهو مالك للنصاب, استقبل به حولا ثم زكاه فأما الحر المسلم إذا ملك نصابا خاليا عن دين فعليه الزكاة عند تمام حوله, سواء كان كبيرا أو صغيرا أو عاقلا أو مجنونا. قال: ( والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما ) وجملة ذلك أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لوجود الشرائط الثلاث فيهما روي ذلك عن عمر وعلى وابن عمر وعائشة والحسن بن على وجابر ـ رضي الله عنه ـم ـ وبه قال جابر بن زيد وابن سيرين وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري وابن عيينة وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ويحكى عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة, ولا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه قال ابن مسعود أحصى ما يجب في مال اليتيم من الزكاة فإذا بلغ أعلمه, فإن شاء زكى وإن شاء لم يزك وروي نحو هذا عن إبراهيم وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة لا تجب الزكاة في أموالهما وقال أبو حنيفة يجب العشر في زروعهما وثمرتهما وتجب صدقة الفطر عليهما واحتج في نفي الزكاة بقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ, وعن المجنون حتى يفيق) وبأنها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من ولي يتيما له مال فليتجر له, ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) أخرجه الدارقطني وفي رواته المثنى بن الصباح وفيه مقال وروي موقوفا على عمر: " وإنما تأكله الصدقة بإخراجها " وإنما يجوز إخراجها إذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم, ولأن من وجب العشر في زرعه وجب ربع العشر في ورقه كالبالغ العاقل ويخالف الصلاة والصوم, فإنها مختصة بالبدن وبنية الصبي ضعيفة عنها والمجنون لا يتحقق منه نيتها, والزكاة حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة الأقارب والزوجات وأروش الجنايات, وقيم المتلفات والحديث أريد به رفع الإثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية, ثم هو مخصوص بما ذكرناه والزكاة في المال في معناه فنقيسها عليه إذا تقرر هذا, فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة فوجب إخراجها كزكاة البالغ العاقل, والولى يقوم مقامه في أداء ما عليه ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولى أداؤه عنهما كنفقة أقاربه, وتعتبر نية الولي في الإخراج كما تعتبر النية من رب المال. قال: [والسيد يزكي عما في يد عبده لأنه مالكه] يعني أن السيد مالك لما في يد عبده وقد اختلفت الرواية عن أحمد - رحمه الله- في زكاة مال العبد الذي ملكه إياه فروي عنه: زكاته على سيده هذا مذهب سفيان وإسحاق وأصحاب الرأي وروي عنه: لا زكاة في ماله لا على العبد ولا على سيده قال ابن المنذر: وهذا قول ابن عمر وجابر والزهري وقتادة ومالك وأبي عبيد وللشافعي قولان كالمذهبين قال أبو بكر المسألة مبنية على الروايتين في ملك العبد إذا ملكه سيده إحداهما, لا يملك قال أبو بكر وهو اختياري وهو ظاهر كلام الخرقي ها هنا لأنه جعل السيد مالكا لمال عبده ولو كان مملوكا للعبد لم يكن مملوكا لسيده لأنه لا يتصور اجتماع ملكين كاملين في مال واحد, ووجهه أن العبد مال فلا يملك المال كالبهائم فعلى هذا تكون زكاته على سيد العبد, لأنه ملك له في يد عبده فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد المضارب والوكيل والثانية, يملك لأنه آدمي يملك النكاح فملك المال كالحر, وذلك لأنه بالآدمية يتمهد للملك من قبل أن الله تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات وأعباء التكاليف, فإن الله تعالى: خلق لكم ما في الأرض جميعا فبالآدمية يتمهد للملك ويصلح له كما يتمهد للتكليف والعبادة فعلى هذا لا زكاة على السيد في مال العبد لأنه لا يملكه, ولا على العبد لأن ملكه ناقص والزكاة إنما تجب على تام الملك. ومن بعضه حر عليه زكاة ماله لأنه يملكه بجزئه الحر ويورث عنه, وملكه كامل فيه فكانت زكاته عليه كالحر الكامل والمدبر وأم الولد كالقن لأنه لا حرية فيهما.
قال: [ولا زكاة على مكاتب] فإن عجز استقبل سيده بما في يده من المال حولا وزكاة, إن كان نصابا وإن أدى وبقي في يده نصاب للزكاة, استقبل به حولا لا أعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا زكاة على المكاتب ولا على سيده في ماله إلا قول أبي ثور ذكر ابن المنذر نحو هذا واحتج أبو ثور بأن الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون والمرهون وحكي عن أبي حنيفة أنه أوجب العشر في الخارج من أرضه بناء على أصله في أن العشر مؤنة الأرض, وليس بزكاة ولنا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا زكاة في مال المكاتب) رواه الفقهاء في كتبهم ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة, فلم تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب وفارق المحجور عليه, فإنه منع التصرف لنقص تصرفه لا لنقص ملكه والمرهون منع من التصرف فيه بعقده, فلم يسقط حق الله تعالى ومتى كان منع التصرف فيه لدين لا يمكن وفاؤه من غيره فلا زكاة عليه إذا ثبت هذا, فمتى عجز ورد في الرق صار ما كان في يده ملكا لسيده فإن كانا نصابا, أو يبلغ بضمه إلى ما في يده نصابا استأنف له حولا من حين ملكه وزكاه, كالمستفاد سواء ولا أعلم في هذا خلافا فإن أدى المكاتب نجوم كتابته وبقي في يده نصاب فقد صار حرا كامل الملك, فيستأنف الحول من حين عتقه ويزكيه إذا تم الحول والله أعلم. قال: ( ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) وروى أبو عبد الله بن ماجه, في " السنن " بإسناده عن عمرة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهذا اللفظ غير مبق على عمومه فإن الأموال الزكاتية خمسة: السائمة من بهيمة الأنعام, والأثمان وهي الذهب والفضة وقيم عروض التجارة وهذه الثلاثة الحول شرط في وجوب زكاتها لا نعلم فيه خلافا, سوى ما سنذكره في المستفاد والرابع: ما يكال ويدخر من الزروع والثمار والخامس: المعدن وهذان لا يعتبر لهما حول والفرق بين ما اعتبر له الحول وما لم يعتبر له أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماء, فالماشية مرصدة للدر والنسل وعروض التجارة مرصدة للربح وكذا الأثمان, فاعتبر له الحول فإنه مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل وأيسر, ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة ولم نعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه وعدم ضبطه, ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلى حقيقته كالحكم مع الأسباب ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال, فلا بد لها من ضابط كي لا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرات فينفد مال المالك أما الزروع والثمار, فهي نماء في نفسها تتكامل عند إخراج الزكاة منها فتؤخذ الزكاة منها حينئذ, ثم تعود في النقص لا في النماء فلا تجب فيها زكاة ثانية لعدم إرصادها للنماء والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض, بمنزلة الزرع والثمر إلا أنه إن كان من جنس الأثمان ففيه الزكاة عند كل حول, لأنه مظنة للنماء من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورأس مال التجارات, وبهذا تحصل المضاربة والشركة وهي مخلوقة لذلك فكانت بأصلها وخلقتها, كمال التجارة المعد لها. فإن استفاد مالا مما يعتبر له الحول ولا مال له سواه وكان نصابا, أو كان له مال من جنسه لا يبلغ نصابا فبلغ بالمستفاد نصابا انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ, فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام: أحدها, أن يكون المستفاد من نمائه كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله فيعتبر حوله بحوله لا نعلم فيه خلافا لأنه تبع له من جنسه, فأشبه النماء المتصل وهو زيادة قيمة عروض التجارة ويشمل العبد والجارية الثاني, أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده فهذا له حكم نفسه لا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصاب, بل إن كان نصابا استقبل به حولا وزكاه وإلا فلا شيء فيه وهذا قول جمهور العلماء وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاده قال أحمد عن غير واحد: يزكيه حين يستفيده وروي بإسناده عن ابن مسعود قال: كان عبد الله يعطينا ويزكيه وعن الأوزاعي في من باع عبده أو داره, أنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله وجمهور العلماء على خلاف هذا القول منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ـ رضي الله عنه ـم ـ قال ابن عبد البر على هذا جمهور العلماء والخلاف في ذلك شذوذ, ولم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى وقد روي عن أحمد في من باع داره بعشرة آلاف درهم إلى سنة إذا قبض المال يزكيه وإنما نرى أن أحمد قال ذلك لأنه ملك الدراهم في أول الحول, وصارت دينا له على المشترى فإذا قبضه زكاه للحول الذي مر عليه في ملكه كسائر الديون وقد صرح بهذا المعنى في رواية بكر بن محمد, عن أبيه فقال: إذا كرى دارا أو عبدا في سنة بألف فحصلت له الدراهم وقبضها, زكاها إذا حال عليها الحول من حين قبضها وإن كانت على المكتري فمن يوم وجبت له فيها الزكاة بمنزلة الدين إذا وجب له على صاحبه, زكاة من يوم وجب له القسم الثالث أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل, مثل أن يكون عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول فيشترى أو يتهب مائة, فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يضمه إلى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذي كان عنده إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى لأنه يضم إلى جنسه في النصاب, فوجب ضمه إليه في الحول كالنتاج ولأنه إذا ضم في النصاب وهو سبب فضمه إليه في الحول الذي هو شرط أولي وبيان ذلك أنه لو كان عنده مائتا درهم, مضى عليها نصف الحول فوهب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب فيها إذا تم حولها, بغير خلاف ولولا المائتان ما وجب فيها شيء فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته, ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة واختلاف أوقات الواجب والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك, ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقت, وهذا حرج مدفوع بقوله تعالى: ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول, فإن نقص الحول نقصا يسيرا فقال أبو بكر ثبت أن نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه وظاهر كلام القاضي, أن النقص اليسير في أثناء الحول يمنع لأنه قال في من له أربعون شاة فماتت منها شاة ونتجت أخرى: إذا كان النتاج والموت حصلا في وقت واحد لم تسقط الزكاة لأن النصاب لم ينقص وكذلك إن تقدم النتاج الموت وإن تقدم الموت النتاج سقطت الزكاة لأن حكم الحول سقط بنقصان النصاب ويحتمل أن كلام أبي بكر أراد به النقص في طرف الحول, ويحتمل أن القاضي أراد بالوقت الواحد الزمن المتقارب فلا يكون بين القولين اختلاف وحكى عن أبي حنيفة أن النصاب إذا كمل في طرفي الحول لم يضر نقصه في وسطه ولنا, أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) يقتضي مرور الحول على جميعه ولأن ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإسلام. وإذا ادعى رب المال أنه ما حال الحول على المال, أو لم يتم النصاب إلا منذ شهر أو أنه كان في يدي وديعة وإنما اشتريته من قريب, أو قال: بعته في الحول ثم اشتريته أو رد على ونحو هذا مما ينفي وجوب الزكاة, فالقول قوله من غير يمين قال أحمد في رواية صالح: لا يستحلف الناس على صدقاتهم فظاهر هذا أنه لا يستحلف وجوبا ولا استحبابا وذلك لأن الزكاة عبادة فالقول قول من تجب عليه بغير يمين كالصلاة والكفارات. قال: ( ويجوز تقدمة الزكاة ) وجملته أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة, وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة وبهذا قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وحكي عن الحسن أنه لا يجوز وبه قال ربيعة ومالك وداود لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ( أنه قال: لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول) ولأن الحول أحد شرطي الزكاة, فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب ولأن للزكاة وقتا فلم يجز تقديمها عليه, كالصلاة ولنا ما روي على (أن العباس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك وفي لفظ: في تعجيل الزكاة, فرخص له في ذلك رواه أبو داود) رواه أبو داود وقال يعقوب بن شيبة: هو أثبتها إسنادا وروى الترمذي عن على (عن النبي - صلى الله عليه وسلم- : أنه قال لعمر: إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام وفي لفظ قال: إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول) رواه سعيد عن عطاء وابن أبي مليكة, والحسن بن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مرسلا ولأنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه, فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث, وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها على النصاب, لأنه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرح, ولأنه قد قدمها على الشرطين وهاهنا قدمها على أحدهما وقولهم: إن للزكاة وقتا قلنا: الوقت إذا دخل في الشيء رفقا بالإنسان كان له أن يعجله ويترك الإرفاق بنفسه, كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب وإن لم يكن على يقين من وجوبها, ومن الجائز أن يكون المال تالفا في ذلك الوقت وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيهما غير معقول, فيجب أن يقتصر عليه. وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا ثم ماتت الأمهات وحال الحول على النتاج, أجزأ المعجل عنها لأنها دخلت في حول الأمهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها فإذا كان عنده أربعون من الغنم, فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الأمهات, وحال الحول على السخال أجزأت المعجلة عنها لأنها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيت, فلأن تجزئ عن إحداهما أولى وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعا ثم توالدت ثلاثين عجلة, وماتت الأمهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزئ عنها, لأنها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزئ عنها لأنه لو عجل عنها تبيعا مع بقاء الأمهات لم يجزئ عنها فلأن لا يجزئ عنها إذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة إذا عجل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الأمهات, وحال الحول على السخال وإن توالد نصفها ومات نصف الأمهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار, فإن قلنا بالوجه الأول أجزأ المعجل عنهما جميعا وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لأنها نصاب لم تؤد زكاته وليس عليه في العجول إذا كانت خمسة عشر شيء, لأنها لم تبلغ نصابا وإنما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجها, فنتجت عشرا أجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لأن العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فإنه لولا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شيء فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسام: أحدها, ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس ولا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده, وكمال نصابه بغير خلاف الثاني ما يتبع في الوجوب دون الحال, وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده مع الخلاف في ذلك الثالث, ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والربح إذا بلغ نصابا فإنه يتبع أصله في الحول, فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله الرابع ما يتبع في الوجوب والحول, وهو الربح والنتاج إذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين أحدهما لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده, كالذي قبله والثاني: يجزئ لأنه تابع له في الوجوب والحول فأشبه الموجود. إذا عجل الزكاة لأكثر من حول ففيه روايتان إحداهما, لا يجوز لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول والثانية يجوز وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يخرج الرجل زكاة ماله قبل حلها لثلاث سنين لأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص عليه إذا كان في معناه, ولا نعلم له معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد فعلى هذا إذا كان عنده أكثر من النصاب, فعجل زكاته لحولين جاز وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره جاز عن الحول الأول ولم يجز عن الثاني لأن النصاب نقص فإن كمل بعد ذلك وصار إخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعا من النصاب لم تجز الزكاة في الحول الأول إذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لأنه كالتالف فيكون النصاب ناقصا فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقا على كمال النصاب فلم يجز عنه. وإن عجل زكاة ماله فحال الحول والنصاب ناقص مقدار ما عجله أجزأت عنه ويكون حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به فلو زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول أجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا فإن نقص أكثر مما عجله فقد خرج بذلك من كونه سببا للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سببا للزكاة فإن زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول من حين كمل النصاب ولم يجز ما عجله عنه لما ذكرنا وإن زاد بحيث يكون انضمامه إلى ما عجله يتغير به الفرض, مثل من له مائة وعشرون فعجل زكاتها شاة ثم حال الحول وقد أنتجت سخلة فإنه يلزمه إخراج شاة ثانية وبما ذكرناه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ما عجله في حكم التالف فقال في المسألة الأولى لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة وقال في هذه المسألة لا يجب عليه زيادة لأن ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا ولنا أن هذا نصاب تجب فيه الزكاة بحول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولأن ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان فكذلك إذا عجلت لأن التعجيل إنما كان رفقا بالمساكين فلا يصير سببا لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله وهذا في حكم الموجود في الإجزاء عن الزكاة وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فإن كان دفعها إلى الفقراء مطلقا فليس له الرجوع فيها وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع على وجهين يأتي توجيههما. فأما تعجيل العشر من الزرع والثمر فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لأنه قال كل ما تتعلق الزكاة فيه بسببين: حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهوم هذا أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لأن الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة فإذا قدمها قدمها قبل وجود سببها لكن إن أداها بعد الإدراك وقبل يبس الثمرة وتصفية الحب جاز وقال أبو الخطاب يجوز إخراجها بعد وجود الطلع والحصرم, ونبات الزرع ولا يجوز قبل ذلك لأن وجود الزرع واطلاع النخيل بمنزلة النصاب والإدراك بمنزلة حلول الحول فجاز تقديمها عليه وتعلق الزكاة بالإدراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوال, وهو زمن الوجوب فإذا ثبت هذا فإنه لا يجوز تقديمها قبل ذلك لأنه يكون قبل وجود سببها. وإن عجل زكاة ماله ثم مات, فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لأنه تعجيل للزكاة قبل وجود سببها, أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لأن سبب الزكاة ملك النصاب, وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث ولأنه لم يخرج الزكاة, وإنما أخرجها غيره عن نفسه وإخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزئ ولو نوى فكيف إذا لم ينو وقد قال أصحابنا: لو أخرج زكاته وقال: إن كان مورثي قد مات فهذه زكاة ماله, فبان أنه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل زكاة العامين لأنه عجل بعد وجود السبب, وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فإن قيل: فإنه لما مات المورث قبل الحول كان للوارث ارتجاعها, فإذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلنا: فلو أراد أن يحتسب الدين عن زكاته لم يصح ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاته, لم تجزه. قال: [ومن قدم زكاة ماله فأعطاها لمستحقها فمات المعطي قبل الحول, أو بلغ الحول وهو غنى منها أو من غيرها أجزأت عنه] وجملة ذلك أنه إذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها, لم يخل من أربعة أقسام: أحدها أن لا يتغير الحال فإن المدفوع يقع موقعه, ويجزئ عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعه, كما لو دفعها بعد وجوبها الثاني: أن يتغير حال الآخذ لها بأن يموت قبل الحول أو يستغني, أو يرتد قبل الحول فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجزئ لأن ما كان شرطا للزكاة إذا عدم قبل الحول لم يجز كما لو تلف المال, أو مات ربه ولنا أنه أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الإجزاء تغير حاله, كما لو استغنى بها ولأنه حق أداه إلى مستحقه فبرئ منه, كالدين يعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها والحكم في الأصل ممنوع, ثم الفرق بينهما ظاهر فإن المال إذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليه, وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قد قضاه وفي مسألتنا الحق واجب, وقد أخذه مستحقه القسم الثالث أن يتغير حال رب المال قبل الحول بموته أو ردته أو تلف النصاب, أو نقصه أو بيعه فقال أبو بكر: لا يرجع بها على الفقير, سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه وقال القاضي: وهو المذهب عندي لأنها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقها, فلم يجز استرجاعها كما لو تغير حال الفقير وحده قال أبو عبد الله بن حامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حال, وإن كان الدافع رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها, وإن أطلق لم يرجع بها وهذا مذهب الشافعي لأنه مال دفعه عما يستحقه القابض في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى, أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع فعلى قول ابن حامد إن كانت العين باقية لم تتغير, أخذها وإن زادت زيادة متصلة أخذها بزيادتها لأنها تمنع في الفسوخ, وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لأنها حدثت في ملك الفقير وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لأن الفقير قد ملكها بالنقص فكان نقصها عليه, كالمبيع إذا نقص في يد المشترى ثم علم عيبه وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنما هو في ملك الفقير فلم يضمنه, كالصداق يتلف في يد المرأة القسم الرابع أن يتغير حالهما جميعا فحكمه حكم القسم الذي قبله سواء. إذا قال رب المال: قد أعلمته أنها زكاة معجلة, فلي الرجوع فأنكر الآخذ فالقول قول الآخذ لأنه منكر والأصل عدم الإعلام وعليه اليمين وإن مات الآخذ واختلف المخرج ووارث الآخذ فالقول قول الوارث, ويحلف أنه لا يعلم أن مورثه أعلم بذلك فأما من قال بعدم الاسترجاع فلا يمين ولا غيرها. إذا تسلف الإمام الزكاة فهلكت في يده, فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لأن يده كيد الفقراء وقال الشافعي: إن تسلفها من غير سؤال ضمنها لأن الفقراء رشد, لا يولي عليهم فإذا قبض بغير إذنهم ضمن كالأب إذا قبض لابنه الكبير وإن كان بسؤالهم كان من ضمانهم لأنه وكيلهم فإذا كان بسؤال أرباب الأموال, لم يجزئهم الدفع وكان من ضمانهم لأنه وكيلهم وإن كان بسؤالهم ففيه وجهان أصحهما, أنه من ضمان الفقراء ولنا أن للإمام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير إذنهم سلفا وغيره, فإذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم إذا قبض له وما ذكروه يبطل بما إذا قبض الصدقة بعد وجوبها, وفارق الأب في حق ولده الكبير فإنه لا يجوز له القبض له لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له من الحق بعد وجوبه. قال: ( ولا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية ) إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة إلا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال: لا تجب لها النية, لأنها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون ولهذا يخرجها ولي اليتيم, ويأخذها السلطان من الممتنع ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إنما الأعمال بالنيات) وأداؤها عمل ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل, فافتقرت إلى النية كالصلاة وتفارق قضاء الدين فإنه ليس بعبادة ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه, وولي الصبي والسلطان ينوبان عند الحاجة فإذا ثبت هذا فإن النية أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب لأن محل الاعتقادات كلها القلب. ويجوز تقديم النية على الأداء بالزمن اليسير, كسائر العبادات ولأن هذه تجوز النيابة فيها فاعتبار مقارنة النية للإخراج يؤدي إلى التغرير بماله فإن دفع الزكاة إلى وكيله, ونوى هو دون الوكيل جاز إذا لم تتقدم نيته الدفع بزمن طويل وإن تقدمت بزمن طويل لم يجز إلا أن يكون قد نوى حال الدفع إلى الوكيل, ونوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق ولو نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجز لأن الفرض يتعلق به والإجزاء يقع عنه وإن دفعها إلى الإمام ناويا ولم ينو الإمام حال دفعها إلى الفقراء, جاز وإن طال لأنه وكيل الفقراء ولو تصدق الإنسان بجميع ماله تطوعا ولم ينو به الزكاة لم يجزئه وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة: يجزئه استحبابا ولا يصح لأنه لم ينو به الفرض, فلم يجزئه كما لو تصدق ببعضه وكما لو صلى مائة ركعة ولم ينو الفرض بها.
|